سورة إبراهيم - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)}
{القول الثابت} الذي ثبت بالحجة والبرهان في قلب صاحبه وتمكن فيه، فاعتقده واطمأنت إليه نفسه، وتثبيتهم به في الدنيا: أنهم إذا فتنوا في دينهم لم يزلوا، كما ثبت الذين فتنهم أصحاب الأخدود، والذين نشروا بالمناشير ومشطت لحومهم بأمشاط الحديد، وكما ثبت جرجيس وشمسون وغيرهما. وتثبيتهم في الآخرة. أنهم إذا سئلوا عند تواقف الأشهاد عن معتقدهم ودينهم، لم يتلعثموا ولم يبهتوا، ولم تحيرهم أهوال الحشر.
وقيل معناه الثبات عند سؤال القبر.
وعن البراء ابن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذكر قبض روح المؤمن فقال: «ثم يعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت}».
{وَيُضِلُّ الله الظالمين} الذين لم يتمسكوا بحجة في دينهم، وإنما اقتصروا على تقليد كبارهم وشيوخهم، كما قلد المشركون آباءهم فقالوا: {إِنَّا وَجَدْنآ ءابآءَنَا} [الزخرف: 22- 23] وإضلالهم في الدنيا أنهم لا يثبتون في مواقف الفتن وتزل أقدامهم أوّل شيء، وهم في الآخرة أضل وأذل {وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَآء} أي ما توجبه الحكمة؛ لأن مشيئة الله تابعة للحكمة، من تثبيت المؤمنين وتأييدهم، وعصمتهم عند ثباتهم وعزمهم، ومن إضلال الظالمين وخذلانهم، والتخلية بينهم وبين شأنهم عند زللهم.


{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)}
{بَدَّلُواْ نِعْمَتَ الله} أي شكر نعمة الله {كُفْراً} لأن شكرها الذي وجب عليهم وضعوا مكانه كفراً، فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلاً، ونحوه: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ} [الواقعة: 82] أي شكر رزقكم حيث وضعتم التكذيب موضعه. ووجه آخر: وهو أنهم بدلوا نفس النعمة كفراً على أنهم لما كفروها سلبوها فبقوا مسلوبي النعمة موصوفين بالكفر، حاصلاً لهم الكفر بدل النعمة. وهم أهل مكة: أسكنهم الله حرمه، وجعلهم قوّام بيته، وأكرمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فكفروا نعمة الله بدل ما لزمهم من الشكر العظيم. أو أصابهم الله بالنعمة في الرخاء والسعة لإيلافهم الرحلتين، فكفروا نعمته، فضربهم بالقحط سبع سنين، فحصل لهم الكفر بدل النعمة، كذلك حين أسروا وقتلوا يوم بدر وقد ذهبت عنهم النعمة وبقي الكفر طوقاً في أعناقهم، وعن عمر رضي الله عنه: هم الأفجران من قريش: بنو المغيرة وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر. وأما بنو أمية فمتعوا حتى حين. وقيل: هم متنصرة العرب: جبلة بن الأيهم وأصحابه {وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ} ممن تابعهم على الكفر {دَارَ البوار} دار الهلاك. وعطف {جَهَنَّمَ} على دار البوار عطف بيان قرئ: {ليضلوا} بفتح الياء وضمها.
فإن قلت: الضلال والإضلال لم يكن غرضهم في اتخاذ الأنداد فما معنى اللام قلت: لما كان الضلال والإضلال نتيجة اتخاذ الأنداد، كما كان الإكرام في قولك: جئتك لتكرمني، نتيجة المجيء، دخلته اللام وإن لم يكن غرضاً، على طريق التشبيه والتقريب {تَمَتَّعُواْ} إيذان بأنهم لانغماسهم في التمتع بالحاضر، وأنهم لا يعرفون غيره ولا يريدونه، مأمورون به، قد أمرهم آمر مطاع لا يسعهم أن يخالفوه ولا يملكون لأنفسهم أمراً دونه، وهو أمر الشهوة. والمعنى: إن دمتم على ما أنتم عليه من الامتثال لأمر الشهوة {فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار} ويجوز أن يراد الخذلان والتخلية ونحوه {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أصحاب النار} [الزمر: 8].


{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)}
المقول محذوف، لأن جواب {قُل} يدل عليه، وتقديره {قُل لّعِبَادِىَ الذين ءامَنُواْ} أقيموا الصلاة وأنفقوا {يُقِيمُواْ الصلاوة وَيُنْفِقُواْ} وجوزوا أن يكون يقيموا وينفقوا، بمعنى: ليقيموا ولينفقوا، ويكون هذا هو المقول، قالوا: وإنما جاز حذف اللام، لأنّ الأمر الذي هو {قُل} عوض منه، ولو قيل: يقيموا الصلاة وينفقوا ابتداء بحذف اللام، لم يجز فإن قلت: علام انتصب {سِرّا وَعَلاَنِيَةً}؟ قلت: على الحال، أي: ذوي سرّ وعلانية، بمعنى: مسرين ومعلنين. أو على الظرف، أي وقتي سر وعلانية، أو على المصدر، أي: إنفاق سر وإنفاق علانية، و المعنى: إخفاء المتطوع به من الصدقات والإعلان بالواجب. والخلال: المخالة.
فإن قلت: كيف طابق الأمر بالإنفاق وصف اليوم بأنه {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خلال} قلت: من قبل أنّ الناس يخرجون أموالهم في عقود المعاوضات، فيعطون بدلاً ليأخذوا مثله، وفي المكارمات ومهاداة الأصدقاء ليستجروا بهداياهم أمثالها أو خيراً منها. وأمّا الإنفاق لوجه الله خالصاً كقوله تعالى: {وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تَجْزِى إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ رَبّهِ الاعلى} [الليل: 19- 20] فلا يفعله إلا المؤمنون الخلص، فبعثوا عليه ليأخذوا بدله في يوم لا بيع فيه ولا خلال، أي: لا انتفاع فيه بمبايعة ولا بمخالة، ولا بما ينفقون به أموالهم من المعاوضات والمكارمات، وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله، وقرئ: {لا بيع فيه ولا خلالُ} بالرفع.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10